سورة ص - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{إِنَّ هَذَا} أي ما ذُكر من أنواعِ النِّعم والكَرَاماتِ {لَرِزْقُنَا} أعطيناكموه {مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} انقطاعٍ أبداً {هذا} أي الأمرُ هذا أو هذا كما ذُكر أو هذا ذِكر وقوله تعالى {وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ} شروعٌ في بيان أضَّدادِ الفريق السَّابقِ {جَهَنَّمَ} إعرابُه كما سلف {يَصْلَوْنَهَا} أي يدخلُونها، حالٌ من جهنَّمَ. {فَبِئْسَ المهاد} وهو المهدُ والمفرشُ مستعار من فراشِ النَّائمِ، والمخصوص بالذمِّ محذوف وهو جهنَّم لقوله تعالى: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} {هذا فَلْيَذُوقُوهُ} أي ليذوقُوا هذا فليذوقُوه كقوله تعالى: {وإياى فارهبون} أو العذابُ هذا فليذوقوه أو هذا مبتدأٌ خبرُه {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} وما بينهما اعتراضٌ وهو على الأولين خبرُ مبتدأٍ محذوف أي هو حميم. والغسَّاقُ ما يغسِق من صديدِ أهلِ النَّارِ، من غسَقتِ العينُ إذا سال دمعُها وقيل: الحميمُ يحرقُ بحرِّه والغسَّاقُ يحرقُ ببردِه. وقيل لو قَطرت منه قطرةٌ في المشرقِ لنتَّنتْ أهلَ المغربِ، ولو قَطرت قطرةٌ في المغرب لنتنت أهلَ المشرقِ. وقيل: الغسَّاقُ عذابٌ لا يعلمه إلاَّ الله تعالى. وقرئ بتخفيفِ السِّينِ {وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ} أي ومذوقٌ آخرُ أو عذابٌ آخرُ من مثل هذا المذوقِ أو العذابِ في الشِّدَّةِ والفظاعةِ. وقرئ: {وأُخَرُ} أي ومذوقاتٌ أخَرُ أو أنواع عذابٍ أُخر. وتوحيدُ ضميرِ شكله بتأويلِ ما ذُكر أو الشَّرابُ الشَّاملُ للحميمِ. والغسَّاقِ أو هو راجعٌ إلى الغسَّاقِ {أزواج} أي أجناس وهو خبر لآخر يجوز أن يكون ضروباً، أو صفةٌ له أو للثلاثة أو مرتفعٌ بالجار والخبرُ محذوفٌ مثلُ لهم.
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} حكاية ما يقال من جهة الخَزَنةِ لرُؤساء الطَّاغينَ إذا دخلوا النَّارَ واقتحمها معهم فوجٌ كانوا يتبعونهم في الكُفرِ والضَّلالةِ. والاقتحامُ الدُّخولُ في الشَّيء بشدَّةٍ. قال الرَّاغبُ «الاقتحامُ توسُّطُ شدَّةٍ مخيفةٍ» وقولُه تعالى {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} من إتمام كلام الخَزنةِ بطيق الدُّعاءِ على الفوجِ، أو صفةٌ للفوجِ. أو حالٌ منه، أي مقولٌ أو مقولاً في حقِّهم لا مرحباً بهم، أي لا أتَوا مرحباً أو لا رحُبتْ بهم الدَّار مرحباً. {إِنَّهُمْ صَالُو النار} تعليل من جهةِ الخَزَنةِ لاستحقاقهم الدُّعاءِ عليهم أو وصفهم بما ذُكر. وقيل: لا مرحباً بهم إلى هنا كلامُ الرُّؤساءِ في حقَ أتباعِهم عند خطاب الخَزَنة لهم باقتحام الفوجِ معهم تضجُّراً من مقارنتهم وتنفُّرا من مصاحبتِهم. وقيل: كلُّ ذلك كلامْ الرُّؤساءِ بعضِهم مع بعضٍ في حقِّ الأتباعِ.


{قَالُواْ} أي الأتباعُ عند سماعِهم ما قيل في حقِّهم، ووجه خطابهم للرُّؤساءِ في قولهم {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} إلخ على الوجهينِ الأخيرينِ ظاهرٌ، وأمَّا على الوجهِ الأوَّلِ فلعلَّهم إنَّما خاطبُوهم مع أنَّ الظَّاهرَ أنْ يقولُوا بطريقِ الاعتذارِ إلى الخَزَنةِ بل هُم لا مرحباً بهم إلخ قَصْداً منهم إلى إظهارِ صدقِهم بالمُخاطبةِ مع الرُّؤساءِ والتَّحاكمِ إلى الخَزَنةِ طمعاً في قضائِهم بتخفيفِ عذابِهم أو تضعيفِ عذابِ خُصَمائهم أي بل أنتم أحقُّ بما قيلَ لنا أو قلتُم. وقولُه تعالى {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} تعليلٌ لأحقِّيتهم بذلك أي أنتمُ قدَّمتم العذابَ أو الصِّلِيَّ لنا وأوقعتُمونا فيه بتقديمِ ما يُؤدِّي إليه من العقائدِ الزَّائغةِ والأعمالِ السَّيئةِ وتزيينها في أَعُيننا وإغرائِنا عليها لا أنَّها باشرنَاها من تلقاءِ أنفسنا {فَبِئْسَ القرار} أي فبئسَ المقرُّ جهنَّم قصدُوا بذمِّها تغليظَ جنايةِ الرُّؤساءِ عليهم {قَالُواْ} أي الأتباعُ أيضاً وتوسيطُه بين كلاميهم لما بينهُما من التَّباينِ البيِّنِ ذاتاً وخِطِاباً أي قالُوا مُعرضين عن خصومتِهم متضرِّعين إلى الله تعالى {رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى النار} كقولِهم {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النار} أي عذاباً مُضاعفاً أي ذا ضعفٍ وذلك بأنْ يزيدَ عليه مثلَه ويكون ضعفينِ كقولِه {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} وقيل: المرادُ بالضِّعفِ الحيَّاتُ والأَفَاعي.
{وَقَالُواْ} أي الطَّاغُون {مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الاشرار} يعنون فقراءَ المُسلمينَ الذين كانُوا يسترذلونَهم ويسخرُون منهم {أتخذناهم سِخْرِيّاً} بهمزةِ استفهامٍ سقطتْ لأجلها همزةُ الوصل. والجملةُ استئنافٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ قالُوه إنكاراً على أنفسِهم وتأنيباً لها في الاستسخارِ منهم {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الابصار} متَّصلٌ باتَّخذناهم على أنَّ أم متَّصلة والمعنى أيَّ الأمرينِ فعلنَا بهم الاستسخارُ منهم أم الازدراءُ بهم وتحقيرُهم، وإنَّ أبصارَنا كانت تزيغُ عنهم وتقتحمُهم على معنى إنكارِ كلِّ واحدٍ من الفعلينِ على أنفسهم توبيخاً لها أو على أنَّها منقطعةٌ والمعنى أتخذناهم سخرياً بل أزاغتْ عنهم أبصارُنا كقولك أزيدٌ عندك أم عندَك عمروٌ على معنى توبيخِ أنفسِهم على الاستسخارِ ثمَّ الإضرابُ والانتقالُ منه إلى التَّوبيخِ على الازدراءِ والتَّحقيرِ. وقرئ: {اتَّخذناهم} بغير همزةٍ على أنَّه صفةٌ أخرى لرجالاً فقوله تعالى أمْ زاغتْ متَّصلٌ بقوله ما لنا لا نَرى والمعنى ما لنا لا نراهُم في النار أليسوا فيها فكذلك لا نراهم أم زاغتْ عنهم أبصارُنا وهم فيها وقد جُوِّز أنْ تكونَ الهمزةُ مقدَّرةٌ على هذه القراءةِ وقرئ: {سُخريا} بضمِّ السَّينِ.


{إِنَّ ذلك} أي الذي حُكي من أحوالِهم {لَحَقُّ} لا بدَّ من وقوعةِ البتةَ. وقوله تعالى {تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والجملةُ بيانٌ لذلك وفي الإبهامِ أوَّلاً والتَّبيينِ ثانياً مزيدُ تقريرٍ له. وقيل: بدلٌ من محلِّ ذلك. وقيل بدلٌ من حقٌّ أو عطفُ بيانٍ له. وقرئ بالنَّصبِ على أنَّه بدلٌ من ذلكَ وما قيل: من أنَّه صفةٌ له فقد قيل عليه: إنَّ اسمَ الإشارةِ لا يُوصف إلا بالمعرَّفِ باللامِ يقال بهذا الرَّجلَ ولا يقال بهذا غلامِ الرَّجلِ.
{قُلْ} أمرٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يقولَ للمشركينَ {إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ} من جهتهِ تعالى أنذرُكم عذابَه {وَمَا مِنْ إله} في الوجودِ {إِلاَّ الله الواحد} الذي لا يقبل الشِّركِةَ والكثرةَ أصلاً {القهار} لكلِّ شيءٍ سواه. {رَبّ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} من المخلوقاتِ فكيف يُتوهُّم أن يكونَ له شريكٌ منها {العزيز} الذي لا يُغلب في أمرٍ من أمورِه {الغفار} المبالغ في المغفرةِ يغفرُ ما يشاء لمَن يشاء، وفي هذه النُّعوت من تغرير التَّوحيدِ والوعد للموحِّدين والوعيد للمشركين ما لا يخفى. وتثنيةُ ما يُشعر بالوعيد من وصفَيْ القهرِ والعزَّةِ وتقديمهما على وصفِ المغفرةِ لتوفية مقامَ الإنذارِ حقَّه.
{قُلْ} تكريرُ الأمر للإيذانِ بأنَّ المقولَ أمرٌ جليلٌ له شأنٌ خطيرٌ لا بدَّ من الاعتناء به أمراً وائتماراً. {هُوَ} أي ما أنبأتُكم به من أنِّي منذرٌ من جهته تعالى وأنَّه تعالى واحدٌ لا شريك له وأنه متَّصفٌ بما ذُكر من الصِّفاتِ الجليلةِ والأظهرُ أنَّه القرآنُ وما ذُكر داخلٌ فيه دُخولاً أوليّاً كما يشهد به آخر السُّورةِ الكريمة وهو قولُ ابن عبَّاسٍ ومُجاهدٍ وقَتَادةَ {نَبَأٌ عَظِيمٌ} واردٌ من جهتِه تعالى. وقوله تعالى {أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} استئنافٌ ناعٍ عليهم سوءَ صنيعهم به ببيان أنَّهم لا يقدِّرون قدرَه الجليلَ حيث يُعرضون عنه مع عظمته وكونه موجباً للإقبال الكلِّي وتلقِّيه بحسن القَبول، وقيل: صفةٌ أُخرى لنبأٌ. وقولُه تعالى {مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الاعلى} إلخ استئنافً مسوقٌ لتحقيق أنَّه نبأ عظيم واردٌ من جهته تعالى بذكر نبأٍ من أنبائهِ على التَّفصيل من غير سابقةِ معرفةٍ به ولا مباشرةِ سببٍ من أسبابِها المعتادةِ فإنَّ ذلك حجَّةٌ بينةٌ دالَّةٌ على أنَّ ذلك بطريق الوحيِ من عند الله تعالى وأنَّ سائرَ أنبيائه أيضاً كذلك. والملأُ الأعلى هم الملائكةُ وآدمُ عليهم السَّلامُ وإبليسُ عليه اللَّعنةُ. وقوله تعالى {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} متعلِّق بمحذوفٍ يقتضيه المقام إذِ المراد نفيُ علمِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بحالهم لا بذواتهم. والتَّقديرُ ما كان لي فيما سبقَ عملٌ ما بوجهٍ من الوجوه بحالِ الملأ الأعلى وقتَ اختصامِهم. وتقديرُ الكلامِ كما اختاره الجمهورُ تحجيرٌ للواسعِ فإنَّ علمه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ غيرُ مقصورِ على ما جرى بينهم من الأقوالِ فقط بل عامٌّ لها وللأفعال أيضاً من سجودِ الملائكة واستكبارِ إبليسَ وكفرِه حسبما ينطقُ به الوحيُ فلا بُدَّ من اعتبارِ العمومِ في نفيِه أيضاً لا محالةَ.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9